صورة حول المجال المدروس:
يمتد إقليم طاطا على مساحة قدرها 25925 كلم². من السفوح
الجنوبية للأطلس الصغير إلى مشارف الصحراء يحدها إقليمي تزنيت و كلميم غربا و
إقليم تارودانت شمالا و إقليمي زكورا و ورززات في الشمال الشرقي و إقليم أسا زاك
جنوبا و الحدود المغربية الجزائرية في الشرق و الجنوب الشرقي تتوسطها سلسلة جبال
باني و مناخها شبه صحراوي و قاري جاف و شديد الحرارة صيفا و بارد شتاءا و تتميز
المنطقة بنمو بعض الأشجار التي تتكيف مع المناخ السائد كالنخيل و التين و الرمان و
المشمش... و يستقر أغلب السكان بالواحات و أعالي الجبال و يتوزعون على أربع بلديات
و هي : "طاطا" , "أقا" , "فم زكيد" , "فم
الحصن".
تقديم عام:
لا نجانب الصواب إذا انطلقنا في تحليل موضوعنا من المثل القائل الإنسان ابن
بيئته فإذا عدنا لأصل هذه المقولة نجد بأن الإنسان مند القدم اعتمد في حياته
اليومية على الإمكانيات الطبيعية المتاحة أمامه سواء في ملبسه أو مأكله أو مسكنه و
خصوصا هذا الأخير [أي المساكن] فقد تميزت المساكن أو المباني القديمة ببساطتها و
ملائمتها مع المناخ السائد في المنطقة و قد استعمل في بنائها مواد طبيعية بحثه
عرفن تطورا في الآونة الأخيرة مع تطور الوسائل و التقنيات في مجال البناء إلا أن
هذا التطور لم يراعي الخصوصيات الطبيعية و الثقافية للمناطق و سنعتمد في تحيلنا
على نماذج البناء القديم بإقليم طاطا.
- فما هي التقنيات و الأدوات المستعملة في البناء الطيني القديم؟
- و ما هي مميزات هذا البناء ؟ و أهميته؟
التقنيات
و الادوات المستعملة في البناء التابوت:
للبناء الطيني أهمية كبرى بمنطقة طاطا
خصوصا و المغرب عموما, فقد برع الإنسان القديم في هذا المجال, و يعتبر البناء
الطيني اليوم كنزا معماريا و إرثا ثقافيا و ماديا, ينتشر بالخصوص بالمناطق الشبه
صحراوية, يتميز بمواده المحلية و تقنياته
التقليدية البسيطة تواكب التغيرات التي عرفها الإنسان منذ القدم, و من بين الأدوات
و الوسائل المستعملة في هذا المجال نجد :
يستعمل في دك الطين بعد وضعه في التابوت
أو اللوح.
التابوت: [ أو اللوح]
تعد الأداة المهمة و الرئيسة في البناء
الطيني حتى أنه يسمى باسمها بناء التابوت أو بناء اللوح و هي عبارة عن الواح خشبية
مستطيلة الشكل يوضع الطين بداخلها ثم يدك جيدا... و يتم تتبيثه بواسطة ست أعمدة
تسمى بالقْوٍيمْ هذه الأخيرة يتم شدها
بالحبال لضمان تماسك و صلابة الطين بداخل التابوت.
تعمل هذه الأدوات على ضمان استقامة و
توازن الحائط و تحتاج لبراعة من لدن العامل فأدنى خلل يؤدي إلى اعوجاج البناء بأكمله
و بالتالي سقوطه.
أدوات أخرى ضرورية:
تستعمل أيضا أدوات أخرى لاتقل أهمية مثل: البالة, الفأس [أكلزيم], العتلة [
أمادير], الدلو [ أكا] , الملاسة [ تطبالت], الفتول , الشكول, ...
تعد هذه الأدوات كلها جزءا لايتجزء من
عملية البناء الطيني القديم, و مما يلاحظ أنها أدوات تقليدة بسيطة و محلية الصنع,
تساهم بشكل كبير في تسريع و تسهيل عملية البناء, كما أن عملية البناء هذه تمر من
عدة مراحل:
- المرحلة الأولى حفر الساس و رشه بالماء
- المرحلة الثانية: إختيار التربة الجيدة و يتم تمقيتها من الحصى و الشوائب
- المرحلة الثالتة: إضافة الماء إلى التربة و تخليطها جيدا
- المرحلة الرابعة: يتم نقل هذه التربة إلى التابوت المتبث فوق "الساس" و يملاء بالطين ثم يدك جيدا و يترك حتى يجف بعد ذلك يزال اللوح ليتم تتبيثه في المكان المجاور و تتكرر نفس العملية إلى أن يصل الجدار الطول و الارتفاع المطلوب.
- المرحلة الخامسة: يتم تبليط الحائط بأداة "تطبالت "
- المرحلة السادسة: يتم خلالها تسقيف البناء و ذلك باستعمال مواد طبيعية خالصة كجذوع النخيل و الجريد و القصب و أعمدة الخشب... توضع أولا الاعمد الخشبية بشكل متوازي لتحمل الضغط ثم يوضع فوقها القصب أو الجريد بشكل متراص و محكم ثم يصاف غطاء بلاستكي لمنع تسرب مياه الامطار داخل البيت ثم يغطي الكل بطبقة من الطين الممزوج بالتبن و الماء و يتم مراعاة إنشاء السقف بشكل مائل قليلا لتتسرب مياه الامطار نحو "الميزاب" الذي يقوم بتصرف هذه المياه إلى الخارج. و هذا النوع من الاسقف يسمى الصبا و يوجد كذلك بالمدن العتيقة كفاس و مراكش و مكناس و الصويرة و تارودانت,.... قد تختلف الاسماء حسب اللهجة المحلية لكن المدلول واحد. يتميز هذا النوع من الاسقف بمتانته حيث يمكن بناء طابق ثاني فوقه يسمى بالمصرية.
و يبدوا
من خلال المراحل المتبعة و الادوات المستعملة في عملية بناء المنازل القديمة أنها تعتمد
بشكل أساسي على مجموعة من الوسائل و التقنيات و أساليب جد بسيطة استلهمها الانسان
من محيطه البيئي و سخرها لتتماشى مع حاجياته اليومية و الضرورية إلا إنها رغم
بساطتها تحمل مجموعة من الدلالات و المميزات.
مميزات
بناء التابوت:
يتميز
البناء الطيني القديم عن غيره بمجموعة من الخصائص و المميزات تجعله فريدا من نوعه
و معلمة تاريخية و
نذكر
منها على سبيل المثال لا الحصر:
·
استخدام مواد طبيعية محلية و غير مكلفة.
·
انسجام المباني مع المناخ السائد في المنطقة حيث يوفر الدفئ
اللازم في فصل الشتاء و يكون باردا في فصل الصيف عند اشتداد الحرارة.
·
يعطي رونقا و جمالية الأحياء و الازقة.
·
يتميز كذلك بقوته و متانته رغم المواد التقليدية و
البسيطة المستعملة في بناءه.
·
يراعي الخصوصيات الثقافية و عوائد و تقاليد المنطقة.
·
يراعي الجانب الصحي من خلال تمركز النوافذ و الابواب
التي توفر التهوية اللازمة و الصحية للبيت.
هناك
أيضا مميزات عديدة لا حصر لها
يتميز بها ال بناء الطيني القديم نخلص من دراستها و الوقوف عليها, إلى أنها تحمل
في طياتها أبعادا و دلالات ثقافية و ديموغرافية و إديولوجية محلية تصف واقع الحياة
المعاشة و تعطي فكرة على عادات ة تقاليد المنطقة.
أهمية بناء التابوت:
لا يختلف اثنان على أن البناء
التقليدي القديم يكتسي أهمية قصوى في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية
للمنطقة
- الاهمية الاجتماعية:
من
المعروف أن المناطق القروية غالبا ما تحكمها مسألة القرابة الدموية و التكافل
الاجتماعي كما تعتمد عدة طقوس في بناء المنازل الطينية مثل ما يسمى ب أدوال أي
التناوب و العمل الجماعي و التضامن بين الاسر بدون مقابل و تساعد هذه المناول على
الاستقرار و تعمير المناطق ذات المناخات القاسية كما هو الحال بالنسبة ل طاطا.
- الاهمية الاقتصادية:
تتجلى
الاهمية الاقتصادية خصوصا في كون الادوات و المواد المستعملة في البناء الطيني
القديم غير مكلفة و سهلة النقل و موجودة بكثرة من قبيل التراب و التبن و القصب و الخشب
و الجريد,... كما أنها مواد صحية, و كذلك يتم بناء هذه المنازل مجانا من خلال عرف
أدوال.
- الاهمية الفكرية و الاديولوجية:
لا تزال
المجتمعات القروية خصوصا بإقليم طاطا محتفظة بالروابط الأسرية المتينة و هذا ما
يطهر من خلال الدور الطينية فغالبا ما تسمى بالدار الكبيرة لأنها تحوي داخلها على
الاقل ثلاث أجيال الجد و الاب و الابن و الحفيد
, و هذه الروابط تلاشت للأسف في عديد المناطق بفعل زحف المباني الاسمنتية و طهور
ما يسمى بالأسر النووية ...
كما أن شكل المباني الطينية و الاحياء
لازالت تراعي مجموعة من المبادئ و القيم من قبيل الوقار و الحشمة,... ز تحيل إلى ارتباط
الانسان بالأرض.
خاتمة:
و على سبيل الختم لا بد من الاشارة
إلى الصعوبات التي يواجهها البناء الطيني القديم الذي يشق طريقه للزوال و الاندثار
بفعل عدة عوامل أبرزها مشاريع الدولة لفك العزلة عن المجتمعات القروية و ربطها
بعجلة التقدم انتقلت معه التفافة الحضارية للمجتمع القروي و بالتالى زحف الاسمنت على حساب الطين و تغيرت
عقلية الانسان القروي حيث تأثر بهذه التفافة حتى أصبحنا نتحدث على شيء اسمه تمدين
الارياف و مدها بالمؤسسات الادارية و بالتالي تحويلها إلى مراكز حضارية أضف إلى
ذلك غياب الوعي الجماعي و الفردي بأهمية البناء الطيني باعتباره موروث ثقافي مادي
يمنح الهوية للمجتمع... لكن ورغم ذلك فآليات المقاومة لازالت من سمات المجتمع القروي
إذ نجد البناء الطيني لازال صامدا بالرغم من إدخال وسائل و أدوات عصرية عليه إلا
أنه لازال يحتفظ بمبادئه الاساسية.